السبت، 5 أغسطس 2017

ما هَلَكَنَا في تونس إلا النضال الإيديولوجي. د محمد كشكار

فكرة فيلسوف حمام الشط حبيب بن حميدة، صياغة مواطن العالَم (L`Universel dépasse de loin le Culturel, mais ne le nie pas)
أعني النضال بجميع تمظهراته، الدستورية والنقابية والقومية واليسارية والإسلام السياسي. كلها لم تأتِ لنا بحلولٍ لمشاكلنا بل زادتها تعقيدًا وحوّلت كل مشكلةٍ عندنا (مشكل له حل) إلى معضلةٍ (مشكل لا حل له في المستقبل القريب)، وعوض أن ننظر مباشرة في واقعنا نظرنا إلى ما تقوله الإيديولوجيات المستوردة في واقعنا.
وفدت علينا الدستورية والقومية والنقابية من العالم الحر (أوروبا وأمريكا)، والشيوعية من الاتحاد السوفياتي، والإخوانية من مصر والوهابية من السعودية. كلها وافدة ومنبتّة في بلادنا وغير متجذّرة في ترابنا. كنا مجتمعًا متناسقًا فشتتتنا الإيديولوجيات شِيعًا وأحزابًا وفرّقت بين الأخ وأخيه وبين الابن وأبيه.
1. "النضال" الدستوري قسّم البلاد في فجر استقلالها إلى بورڤيبيين ويوسفيين، وقامت بينهم حربٌ أهليةٌ انتصر فيها الأقربُ لأطروحات فرنسا الاستعمارية لا الثورية.
2. "النضال" النقابي انتشر في غير موضعه الطبيعي، أي في القطاع العمومي عوض القطاع الخاص مَهْدُ نشأته وسِرُّ نجاعته. حسب رأيي المعادي لـ"النضال" يجب مَنْع الإضراب في القطاع العمومي لأن كل يوم انقطاع عن العمل يدفع ثمنه دافعو الضرائب لا الرأسماليين.
3. "النضال" القومي جزّءنا أكثر ممّا وحّدنا وجلب لنا الهزيمة تلو الهزيمة، 48، 56، 67، 73، 2003 والقادم أشوم.
4. "النضال" اليساري، صراعُ طبقات أردنا تطبيقه في بلدٍ لم تتكون فيه الطبقاتُ بعدُ لأن الطبقة يحددها ضمير الطبقة وليس المستوى المادي للطبقة (La classe est déterminée par sa conscience).
5. "النضال" الإسلامي السياسي أرجعنا إلى ما كان سائدًا قبل الإسلام، حروبٌ وصراعاتٌ مذهبية دون قضية.
خاتمة: هذا وصفٌ وليس تحليلا، نتيجةٌ كارثيةٌ لا أجد لها تفسيرًا ولا تبريرًا. خللٌ في المناعة أصاب الجسم العربي (Une maladie auto-immune)، مرضٌ عُضالٌ لا علاجَ له لأن مضاداتنا الحيوية (Les anticorps) أصبحت لا تُفرّق بين الأخ والعدو (Le soi et le non-soi) بل تقضي على الأول قبل الثاني. ضعُفت مناعتُنا الداخلية حتى أصبح كيانُنا عُرضةً للأمراض الانتهازية (Les maladies opportunistes) وأصبحت أوطانُنا مستباحةً من قِبل الأعداء الضعفاء قبل الأقوياء. علينا إذن تحطيم الإيديولوجيات وبناء الكفاءات. فهل يقدر على هذا "مناضلونا" (Les militants et les activistes de tous bords)؟ والله أشك! مناضلونا الأشاوس لا يجدون وقتًا كافيًا للتفكير ويا ليتهم يُنجزون، همهم الوحيد يتمثلُ في الوصول إلى السلطة حتى ولو كانت بمرتبة وكيل للبنك العالمي وصندوق النقد الدولي.
قرار افتراضي صادِر عن شخصٍ صفرٍ على الشمالِ في بطاقة النضالِ: لو كنتُ في السلطة - ولن أكون فلا تفزعوا أيها "المناضلون" - لَمنعتُ كل "المناضلين" بجميع تلويناتهم الإيديولوجية من تولِّي المناصب العليا في الدولة، وعوض أن أصرفَ لهم تعويضًا، سوف أحاسبهم على الفُرَصِ التاريخية التي فوّتوها علينا للحاق بِرَكْبِ الدول المتقدمة وأفضَلُها عندي اليوم هي الدول الأسكندنافية الأقل إيديولوجية!
ملاحظة ديونتولوجية: رجاءً هاجموا الفكرة ولا تشتموا ناقلَ الفكرة أو صاحبَها فهذا الأخير، وحيدُ زمانه، هو جليسي اليومي المفضل في مقهى البلميرا بحمام الشط الشرقية، المقهى الثقافي التي تتحطم فيه الإيديولوجيات، كل الإيديولوجيات (Café culturel de la déconstruction des idéologies, toutes les idéologies).
إمضائي
"لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة والبراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى وعلى كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف الرمزي أو اللفظي أو المادي" (مواطن العالَم)
وَ"إذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك فدعها إلى فجر آخر" (جبران)
تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الأربعاء 2 أوت 2017.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق